عندما تكون المشاعر في هذا اليوم مجتمعة , فإن شعور الفرح هو الذي يمثل دور البطولة بل و يسيطر على جميع المشاعر ليسكبها في قالبه ..
الساعة الآن الرابعة و النصف فجرا و اليوم يوم عيد , و لكن فضلت أن أسرق من وقتي عشر دقائق لأذكر من كانت أيامي برفقته تطغى على معنى العيد و بهجته..
أتذكر كيف كان أصبعه السبابة يساوي حجم يدي الصغيرة فعند اصطحابه لي "لروضتي" تعانق يدي سبابته و تتركها عند بوابة الروضة التي يشبهه اسمها نور ذلك القلب "روضة القمر"
و هذه ذاكرتي أطلقت العنان لنفسها لتريني ما أحمل فيها من ذكريات لطيفة و جميلة .. و بقدر ما ماكانت كذلك فهي الآن مؤلمة .."فالحمدلله على كل حال"
أتذكر كيف حملتني يده المعطاء , فحمل مع جسدي جسده النحيل ليكون هو قبل ذهابي لذلك المكان الدواء بل كان الشفاء..
و لا أطيق من تلك الذكرى أن أتذكر كيف كان يريد النوم , و كيف كان رأسه يتمايل مكتفي بدقيقة من الغفوة فينتبه فيصحو مودع أجمل الأحلام و دفء ذلك الفراش..فتفاصيل حياته أرهقتني..ففي كل خطوة يصحبني طيفه لأعيش ذكراه في كل زمان و مكان..
أبي في آخر عيد قضيته معك أتذكر أنه كان عيد الأضحى ..
كنت في كل عيد أقف خلف النافذة لأرى كيف تراق دماء الأضحية , فأراك ممسك بطرف ثوبك الجميل حتى لا يدنس بتلك الدماء..
وحينما يعلن "الجزار " انتهائه من ذبح الأضحية تنظر عينيك إلى النافذة لترتسم على ثغرك ابتسامتك المعتادة التي حجبت بجمالها ضوء شمسنا الحارقة, و يختلجك شعور واحد.. إنه الفرح ليس إلا أنك عشت في ذلك اليوم عيد..
منظر الأضحية يا أبي منظر صعب و فظيع , أما الآن فقد هان علي كثيرا..
فذا قلبي الذي تمنيت لو أنه قد توقف في ذلك اليوم ..انظر إليه يتقطع كما الأضحية , فلم يكن من السهل على مثلي أن لا يراك في مثل هذا اليوم ليطبع على رأسك قبلة , فيهمس في أذنك كل عام و أنت بخير ..
أبي الغالي اشتقت إليك كثيرا , فكلماتي تعجز أمام ذكرك فتخرج من لساني ككلمات الطفلة , كيف و لا و أنا صغيرتك التي اعتدت..
أبي الغالي لقد رحلت سريعا , بلا و داع أو عناق..أبي فماذا عساي أن أقول فاليوم عيد..
فمشاعري لم تكن مثلهم أو مثل مشاعري قبل رحيلك في مثل ذلك العيد.. فما أحمله من مشاعر في نهار العيد تختلف عن مشاعر الجميع..
نعم سيد مشاعري هو الشوق يا أبي الغالي..فالجميع يقول كل عام و أنتي بخير فتنحني الكلمات لمثلهم بسعادة فيتحرك اللسان فيتلفظ
" عيد سعيد"
أما أنت فأقول لك كل عام و شوقي إليك يزيد..
رحمك الله يا أبا عثمــان..